الاشوريون
بقلم :محمود بكر
.الأشوريون برأي أغلب الباحثين والمستشرقين انهم أحفاد الاكاديين ولا يعرف معنى أكاد فيما إذا كانت سومرية أو سامية وهي لفظة اطلقت اولا على مدينة كانت تقع في أرض شنعار جنوبي بابل وقد ورد ذكرها في العهد القديم " التورات " جنبا الى جنب بابل كجزء من مملكة نمرودية كوش وقد جعل سرغون الاول اكاد عاصمة لامبراطوريته حوالي العلم 2400ق.م وفيما بعد عمت التسمية لتشمل البلاد كلها.
كانت مملكة اكاد تشمل معظم العراق وعيلام وجزء من بلاد فارس وأجزاء من سوريا وكان الاكاديون يتكلمون لغة سامية قريبة الشبه بين العبرية " لغة التورات " والعربية . ويؤكد بعض المؤرخين ان الاكاديين هم اجداد للاشوريين ويزعم بعض المؤرخين ان الاكاديين استعاروا من السومريين نوعا من الكتابة اطلق عليها الخط او القلم المسماري الذي هو عبارة عن رموز مقطعية عديدة دونوا بها لغتهم . ومن هذه اللغة "الاكادية " تفرعت لهجتان هما البابلية والاشورية .
وفي سفر التكوين ان اشور خرج من ارض شنعار وبنى مدنا عديدة منها نينوى التي اصبحت فيما بعد ابا للاشوريين . سفر التكوين "22-10.".
وبحسب رأي اغلب الباحثيين ان الاشوريين القدماء اقوام سامية عاشت في اعالي بلاد مابين النهرين ويعود تاريخ انشاء اقدم مستوطنة اشورية في تل حسونة جنوبي الموصل حاليا الى ازمان سحيقة . كما سيطر على هذه المنطقة السومريون والاكاديون والميتانيون ويعود اقدم ذكر لملك اشوري الى القرن " 23"ق.م ومن اشهر ملوك الاشوريين من الاسرة الاولى الذين كانوا يسكنون الخيام الملك " كوديا 2336-2300"ق.م . والملك حمورابي الذي يعتبر من اشهر الملوك الاشوريين ويعتبره المؤرخون اب للتشريع البابلي وهو ابن الملك سرغون الاكادي الذي لا يعرف اباه وانما ولد من ام كانت كاهنة للمعبد وكانت تمارس فيها طقوس البغاء المقدس .
اما اليوم فيعرف عن الاشوريين انهم مجموعة عرقية دينية سامية مسيحية تسكن في الشمال مابين النهرين في العراق وسوريا وتركيا وباعداد اقل في ايران كما توجد اعداد قليلة منهم في بلاد المهجر كالولايات المتحدة الامريكية ودول اوربا وخاصة السويد والمانيا .
دينيا ينتمي افراد هذه المجموعة العرقية الى كنائس مسيحية سريانية متعددة ككنيسة السريان الارثوذكسية والكاثوليك والكنيسة الكلدانية وكنيسة المشرق . كما يتميزون بلغتهم الام السريانية وهي لغة سامية شمالية شرقية نشأت كاحدى اللهجات الآرامية في مدينة " الرها " . كما يعتبرون من اقدم الشعوب التي اعتنقت المسيحية وذلك ابتداء من القرن الاول الميلادي .
عملت الانقسامات الكنسية التي حلت بالاشوريين على انفصالهم الى شرقيين " اشوريين وكلدان " وغربيين " السريان " .
ساهم الاشوريون في ازدهار الحضارة العربية الاسلامية في بلاد المشرق خاصة في عهد الدولة الاموية والعباسية من خلال مساهمتهم في الترجمة والتأليف كترجمة الكتاب المقدس وكتب الفلسفة اليونانية الى اللغة العربية .
ان المجازر التي حلت بالاشوريين اثناء الغزو المغولي في القرن الرابع عشر الميلادي ومرورا بالمجازر التي تعرضوا لها بتحريض من العثمانيين في بداية القرن التاسع عشر ادت الى تناقص اعدادهم . وكما تقلص عددهم الى النصف بسبب المذابح الاشورية عشية الحرب العالمية الاولى وبعدها "1914-1919"م والتي تعرف بمذابح " سيفو " وهي لفظة تطلق على سلسلة من العمليات الحربية التي شنتها قوات نظامية تابعة للدولة العثمانية بمساعدة مجموعات مسلحة شبه نظامية استهدفت المدنيين الاشوريين -السريان -الكلدان . اثناء وبعد الحرب العالمية الاولى وادت هذه العمليات الى مقتل مئات الالف منهم . كما نزح اخرين من مناطق سكناهم الاصلية جنوب شرق تركيا الحالية وشمال غرب ايران .
بدأت هذه المجازر في سهل اورمية في إيران عندما قامت العشائر بتحريض من العثمانيين بالهجوم على قرى اشورية فيها . كما اشتدت وطأة المجازر بسيطرة العثمانيين على قرى الاشوريين -السريان -الكلدان في كانون الثاني 1915 م كما تزامنت هذه المجازر مع مجازر الارمن في تركيا 25-4-1915م .
اما كلمة " سيفو " فهي لفظة سريانية غربية تعني السيف في اشارة الى قتل العثمانيين لضحاياهم من الاشوريين بالسيف .
وشهد النصف الثاني من القرن العشرين هجرة العديد من الاشوريين الى دول اوربا وامريكا .
في فترة الانتداب البريطاني للعراق 1917م استفاد الجيش البريطاني بتجنيد الاشوريين لضرب ثورة الكورد بقيادة شيخ محمود الذي كان يرفض الانتداب البريطاني لكوردستان العراق . وفي فترة الاستقلال استعانت المؤسسة العسكرية العراقية والانظمة الانقلابية المتعاقبة التي كانت تلعب على الوتر الطائفي في تجنيد الاشوريين لقمع حركات وثورات كوردية ولكن الى جانب ذلك كانت هناك شخصيات اشورية -سريانية -كلدانية وطنية ساهمت مساهمة فعالة في ثورة ايلول 1961م بقيادة مصطفى البارزاني كالمناضلة مارغريت جورج ملك التي اختفت في ظروف غامضة ومجهولة ، والشهيد فرانسوا حريري الذي تبوأ منصبا رفيعا في قيادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني - العراق .
اما حرب الخليج الثالثة والانفلات الامني التي تبعها ادت الى تقلص اعداد الاشوريين بشكل كبير في العراق بعد نزوح مئات الالف منهم الى دول الجوار وخاصة الى سوريا . وبالنسبة للعدد الكلي للاشوريين ليست هناك احصائية دقيقة لاعدادهم ولكن يقدرون الان بحوالي 3،3م .ن بكل من سوريا والعراق وتركيا وايران بالاضافة الى دول المهجر .
اما في سوريا فيقدر عددهم بحوالي 500الف نسمة . وبالرغم من عدم الاعتراف بالوجود القومي للاشوريين ومحاولة فرض القومية العربية عليهم في سوريا ،الا انهم غالبا ما تمتعوا بحقوق دينية واسعة في ظل حكومة حافظ الاسد وكذلك ايضا في ظل حكومة صدان حسين في العراق . وتقلل العديد من الاشوريين مراكز مرموقة في القيادة السياسية لدى صدام حسين كشخصية طارق عزيز . وفي سوريا كان لبعض روؤساء الدوائر والمتنفذين من الموظفين الرسميين دورا بارزا في اضطهاد الشعب الكوردي في سوريا وتطبيق بعض القوانيين الاستثنائية والمشينة بحقهم الاحصاء الجائر الذي حرم بموجبه مئات الالف من المواطنيين الكورد من الجنسية في محافظة الجزيرة ومازالت تداعياته ماثلة حتى الان .
اما توزع الاشوريين في سوريا فيتركزون بشكل رئيسي في محافظة الجزيرة " الحسكة " حيث يعملون بالزراعة بشكل اساسي . قبل تولي حزب البعث للسلطة 1963م كانوا يملكون اقطاعات واسعة من الاراضي الا ان قانون الاصلاح الزراعي طالهم وتم مصادرة اراضيهم لصالح مزارع الدولة . ويعمل اعداد قليلة منهم بالتجارة وبعض الحرف الاخرى .
بالاضافة الى تواجدهم في مدينة حلب هناك اعداد اخرى في كل من حمص ودمشق ويشكل الاشوريون حوالي ثلث المسيحين في سوريا وبتبع اغلبهم الكنيسة السريانية الارثوذكسية .
شارك الشعب الاشوري عبر تاريخهم الحديث بكل فعالياتهم الاجتماعية -الثقافية -السياسية . في بناء الدولة السورية وتقوية وحدتها الوطنية كما انهم اليوم يعتبرون جزءا اساسيا من النسيج الوطني للمجتمع السوري واحدى المكونات الاساسية .
تم تبني اول علم للاشوريين بطريقة شبه رسمية عام 1969م وذلك عندما اتفقت الهيئات السياسية المكونة للاتحاد العالمي للاشوريين .
بالرغم من تمتع الاشوريين بحريتهم الدينية الا ان حالهم سياسيا في ظل حكم البعث لم يختلف كثيرا عن حال بقية المكونات السورية التي طالها ظلم آل الاسد وسط انكار تام لحقوق الشعب باكثريته واقلياته . وفي هذا الصدد يؤكد احد القياديين في المنظمة الاثورية الديمقراطية : ان الاشوريين تعرضوا في ظل حكم الاسد لكل اصناف التهميش والاقصاء والحرمان من ممارسة حقوقهم القومية المشروعة وفي مقدمتها انكار وجودهم القومي في وطنهم .فنظام البعث السوري لم يفرق في ديكتاتوريته بين عربي وكوردي واشوري او بين مسيحي او مسلم فلم يعترف رسميا بالاشوريين في عهد البعث منذ ستين عاما .
اما بالعودة للحياة السياسية للاشوريين فنجد ان الساحة السياسية تحوي مجموعة عديدة من الاحزاب والتيارات المختلفة واهم هذه التنظيمات : 1- المنظمة الاثورية الديمقراطية .
2-الحزب الاشوري الديمقراطي .
3-حزب الخلاص الاشوري .
4-التجمع الاشوري .
5-حزب الاتحاد السرياني (الدورونبيه).
6-الاتحاد السرياني الديمقراطي .
7-اتحاد تنسيقيات شباب السريان الاشوريين .
8 -تجمع شباب سوريا الام .
9 -التجمع الاشوري لقرى الخابور .
وبالاضافة لهذه التنظيمات والاحزاب هناك شخصيات سياسية وطنية مستقلة .
يضم الائتلاف الوطني السوري المعارض والمجلس الوطني السوري اعضاء من الكتلة الاشورية اذ يضم المجلس الوطني السوري "14"عضوا اشوريا ضمنهم عضو في المكتب التنفيذي وعضوان في الامانة العامة ، وهناك اثنان في قيادة الائتلاف الوطني المعارض . وتعتبر المنظمة الاثورية الديمقراطية المعروفة اختصارا ب " مطاكستا " اكبر واقدم الاحزاب الاشورية المسيحية في سوريا ولها تواجد في الولايات المتحدة الامريكية .
لم يتوانى نظام الاسد عن السعي الحثيث للعبث بالنسيج الوطني السوري وخلق الفتن بين الطوائف وهو الذي انشأ المليشيات الطائفية في كل مكان لمحاربة كل صوت ثائر ومن انجازات الاسد في محافظة الحسكة ايجاد ميلشيات مسيحية مسلحة تطلق على نفسها اسم السوتورو وكلمة سوتورو هي كلمة سريانية تعني الحماية او الامن . ويقدم عناصر هذه الميلشيات انفسهم ان مهمتهم حماية المناطق المسيحية في محافظة الجزيرة حيث اعلن عن تأسيسها بتاريخ 1-3-2013م .
السوتورو قسمان : قسم يتبع مجلس السلم الاهلي التابع للسريان الارثوذكس ويتبع الامن العسكري ويتقاضى عناصره رواتبهم من (قوات الدفاع الوطني ) التي تقوم بتسليحهم ايضا وتقتصر مهامهم على نصب الحواجز اوتفتيش الناس . اما الفريق الاخر من السوتورو فهو تابع لحزب الاتحاد السرياني ( الدورونييه ) التابع لحزب العمال الكوردستاني . تنتشر عناصره في المالكية والقحطانية شمال شرق القامشلي يتقاضون رواتبهم وسلاحهم من حزب العمال الكوردستاني ويتميزون بتدريبات عالية المستوى في جبال قنديل . وهناك حراس الخابور عناصرها قليلة مهمتها حماية ريف الحسكة مثل تل تمر ونواحيها حيث خاضت اشتباكات مع تنظيم داعش قتل وخطف عدد
من عناصرها .
ان تحالف الاتحاد السرياني والعمال الكوردستاني ليست بجديد حيث، تم تدريب السوتورو والقوات الكوردية في جبال قنديل فهما يحملان نفس المنشأ والايديولوجية والتفكير الا ان بعض الاحزاب السريانية والاشورية على خلاف مع هؤلاء حيث ترى انهم يتحالفون مع فئات انفصالية تطمح لاقتطاع مناطق يعتبرها المسيحيون ارض نشأتهم منذ سبعة الالف سنة وتؤكد مصادر مطلعة ان سوتورو تعتبر بشكل ما جزء من وحدات الحماية الكوردية . وقد اشار النشطاء الاعلاميين الى ان السوتورو تستقدم مدربين من اوربا حيث كشف احد مدربي السوتورو الذي كان عريفا سابقا في الجيش السويسري ( يوهان كوستر ) الذي قدم مع حوالي عشرين اوربيا الى القامشلي بمهمة تدريب المسيحين .
اما رجال الدين المسيحي الاشوري دأبوا على دعم حكم بشار الاسد منذ توليه السلطة علم 2000م سعيا منهم الى الحفاظ على حرية ممارسة شعائرهم الدينية بشكل علني وطمعا في الحصول على مكاسب سياسية اخرى من السلطة الحاكمة في حين كان الشباب المسيحي غير راض تماما عن الوضع السياسي والاقتصادي للبلاد لكنه كما اغلب السوريين كان صامتا على مضد لمعرفته بعدم قدرته على احداث التغيير الحقيقي فاصدرت الكنيسة الاشورية في وقت سابق بيان تبرأت من جميع الحركات المسيحية المسلحة واعلنت ان الكنيسة لا علاقة لها بتلك الميلشيات .
اما شهداء الطائفة الاشورية فيأتي في مقدمتهم الشهيد باسل شحادة المخرج السينمائي الذي ترك دراسته في الولايات المتحدة الامريكية وعاد الى سوريا مع بدء الثورة السورية حيث انتقل الى حمص لتوثيق اعتداءات قوات الاسد على المواطنيين فسقط شهيدا ضحية القصف على حي الصفصافة . اما بخصوص الشهداء المسيحين في سوريا فقد بلغ اكثر من مئة شهيد .
شكرا ع المعلومات
ردحذفهربجي
ردحذف